رحيل أليكساندر ميتا: عملاق السينما الروسية وصانع التجارب الإنسانية

غيب الموت المخرج الروسي الكبير أليكساندر ميتا، المعروف باسمه الفني الذي اختاره بدلًا من رابينوفيتش، عن عمر 92 عامًا إثر معاناة مع سرطان الكلى . يشكّل رحيل ميتا نهاية عصرٍ من التجسّيد البصري العميق للروح الإنسانية، وبداية استذكار لمسيرته الطويلة التي امتدت زهاء ستة عقود غُنيت بالإبداع.

بدأ ميتا حياته المهنية كمهندس ثم رسّام كاريكاتير، قبل أن يلتحق بأكاديمية VGIK، حيث تخرّج عام 1960 تحت إشراف ميخائيل روم، لينطلق بعدها في درب السينما ككاتب ومخرج وممثل . كانت محطته الأولى My Friend, Kolka! عام 1961، وقد نال عنه جائزة في لندن. تلاه فيلم They’re Calling, Open the Door عام 1965، الذي اقتنص جائزة الأسد الفضي في فينيسيا، ثم Shine, Shine, My Star في 1969 – ميلاد لغته الشخصية التي مزجت التجريب بالعمق الإنساني .

تحوّل ميتا حينها إلى أحد كبار صُنّاع “أفلام الكارثة” في الاتحاد السوفييتي، مع Air Crew سنة 1979، الذي شاهده أكثر من 71 مليون شخص داخل البلاد . كما أثّر في الذاكرة الدرامية الروسية بأعمال مثل The Border: Taiga Romance (2000) وسلسلة “شارع الحدود” التلفزيونية، وصولاً إلى تحفته الأخيرة Chagall – Malevich في 2013، الذي خُصص لتوثيق غاية الإبداع البصري لتعابير الفن والتاريخ .

لم يكن ميتا مجرد مخرج تقنيّ، بل معلّمًا بصريًا، وهو ما يلمسه القُرّاء اليوم في كتابه المتوسّط الحجم Кино между адом и раем (“السينما بين الجحيم والجنة”)، والذي يعد مرجعًا لتدريس الإخراج والتمثيل. يبدأ الكتاب بمقارنات مثل لعبة الشطرنج، ويُعمّق الفهم من خلال تحليل أعمال تاركوفسكي، كوشيرو، هيتشكوك، فلكليني وتسعونيات . تخرّج ميتا أيضًا أجيالًا جديدة من السينمائيين عبر معهد في موسكو ومدرسته في هامبورغ، حاملة عصًا من روح التفكير العميق داخل الكادر الواحد .

Ad image

في السابعة والتسعين من عمره، كان ميتا رمزًا للصمود على صوت الصورة فوق عواصف التغيير. اختُتم عصيانه الفني بمشيعته المقرّرة في 17 يوليو بموسكو، بجنازة في “البيت المركزي للأدباء”، ثم دفن إلى جانب زوجته ليليا مايوروڤا (توفيت عام 2022) .

بمصرع ميتا تختفي شخصية عملاقة في الفن الروسي، تركت إرثًا يتجاوز فيلانوفيسيا الكوميديا أو الأكشن. هو إنسان رأى في الصورة جسرًا للملامسة بين الحواس والعقل، والسؤال الأعمق. وأضاف إلى المكتبة السينمائية العالمية مفاتيح لسرد الحقيقة، وكلمات مخلصة تروي كيف نرى ما نراه حين نصوّره بعين الروح.

 

Leave a comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *