“عام ونهار”: نية اجتماعية طموحة وسط سرد رتيب وأداء متلعثم

في ظل النقاش الدائر حول دراما ما بعد الطلاق في المجتمع المغربي، يظهر مسلسل “عام ونهار” كمثال لفرصة ضائعة؛ فبينما يحمل أجندة اجتماعية مهمة، فإن تطبيقها الدرامي يبدو متعثّرًا على عدة مستويات.

في جوهر العمل، يحاول المسلسل تسليط الضوء على تداعيات الطلاق على المرأة المغربية، خصوصًا عندما تسعى لحفظ حضانة ابنها من خلال عقد زواج سري يمتد لسنة ويوم، وهو المفهوم الذي يحمل طابعًا قانونيًا واجتماعيًا حساسًا . لكن رغم هذه النية النبيلة، يتم تقديم الفكرة بطريقة نمطية، تكرّرت مرارًا في دراما مشابهة، ما أضعف جاذبيتها لدى المشاهد .

الحبكة الرئيسية، التي تبدو واقعية من حيث الفكرة، تُعاني من غياب التحوّلات الدرامية المؤثرة، إذ تخلو من مفاجآت أو تقلبات مثيرة تثير التشويق، مما يجعل السرد بطيئًا ورتيبًا وغير مشدود . الحوار دموي بشكل سطحي بعيد عن البُعد النفسي الحقيقي للشخصيات، ولا يكشف كنه دوافعهم الداخلية بشكل قادر على خلق تعاطف فعلي من قبل الجمهور .

على مستوى الأداء، ثمة خلل واضح في إدارة الممثل؛ فبينما تبدو سلوى زرهان مجتهدة في تجسيد دور الأم المكافحة، إلا أنها لم تتمكن من تجاوز حدود الأدوار التي أدتها سابقًا في أعمال مثل “المكتوب” . أما أداء أبطال آخرين مثل عادل أبا تراب، فمثّل بارزًا لكنه افتقر إلى التماسك والكثافة الدرامية المطلوبة في رسم شخصية طليق متسلط . يضاف إلى ذلك كثرة الشخصيات الداعمة التي ظهر بعضها بلا وزن درامي حقيقي رغم حضورهم في الكاستينغ .

Ad image

من ناحية الإخراج، يعاب على أيوب الهنود نهج العشوائية في ترتيب المشاهد وتكوين الإطارات، مما أدى إلى سرد شكلي، بلا تأثير حقيقي، كما لو أن العمل جرى إنتاجه بسرعة تفتقر إلى التخطيط الفني الدقيق . الأدوات التكوينية من لقطات ومونتاج ونقل زمني بدت ضعيفة، وزادت من تشتت المتلقي.

رغم هذه النقدات، لا يمكن تجاهل أهمية الرسالة التي يحملها العمل، والتي تتعلق بتحديات المرأة المطلقة في مجتمع تحكمه القوانين والعادات. البنُية التشاركية للفكرة مع فريق من السينارستات، وعلى رأسهم بسمة هجري، يثبت وجود نية اجتماعية وفنية جيدة . لكن الإخفاق يكمن في الترجمة الفنية، حيث فُقد التوازن بين الطرح الاجتماعي والجرس الدرامي اللازم لجذب المتلقي.

في نهاية المطاف، يبقى مسلسل “عام ونهار” تجربة درامية تنطوي على إمكانيات مجدية – من حيث موضوعها وجوهرتها – لكنها لم تتحول إلى منتج مؤثر بسبب ضعف في حبكة النص، ارتجالية التمثيل، توزيع زمن السرد، وضعف الإخراج. هذه التجربة تقدم درسًا واضحًا لصناع الدراما المغربية: القضايا المجتمعية الكبرى تحتاج أكثر من نية حسنة، بل تتطلب مهارة فنية للسرد تلتحم مع عناصر الأداء والإخراج لتنتج عملاً قادرًا على ترك أثر حقيقي وبصمة فنية يستحقها الجمهور المغربي.

 

Leave a comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *