فوضى المواعيد السينمائية في المغرب: هل آن الأوان لهيئة تنسيق وطنية؟

يشهد شهر يوليوز 2025 تنظيم أربع تظاهرات ومهرجانات سينمائية موزعة بين الرباط والدار البيضاء وإقليم مديونة، وهي: الدورة الثالثة عشرة من “الليلة البيضاء للسينما وحقوق الإنسان” التي أُعلن عن منع عروضها لأسباب غير واضحة، ومهرجان الفيلم السوسيولوجي بالرباط (6–11 يوليوز)، ومهرجان الفيلم التربوي لأطفال المخيمات الصيفية بالدار البيضاء (17–21 يوليوز)، إضافة إلى انطلاق الدورة الأولى من مهرجان الأمل للفيلم القصير في إقليم مديونة (24–26 يوليوز). هذا الزخم يعكس حيوية على مستوى المبادرات المحلية، لكنه في المقابل يُبرز خللًا هيكليًا في توزيع هذه التظاهرات على مدار السنة.

ما يلفت الانتباه هو التكدس غير المبرر للمهرجانات في فترات زمنية ضيقة، يقابله فراغ شبه تام في أشهر أخرى. فحسب الأرقام، احتضن شهر ماي وحده 22 تظاهرة سينمائية، مسجلًا رقمًا قياسيًا، مقابل غياب تام في شهري فبراير ومارس، وتواضع في يناير (4 تظاهرات) ويونيو (9). هذا التفاوت لا يضر فقط بالإنتاجية الفنية وجودة التنظيم، بل يحرم جمهور المدن من متابعة ثقافية متواصلة وموزعة بشكل منطقي.

إن غياب هيئة وطنية تُعنى بتنسيق رزنامة المهرجانات السينمائية أصبح أمرًا غير مفهوم، خصوصًا في ظل تكاثر المبادرات الثقافية وازدياد حاجة الفاعلين إلى الدعم اللوجستي والمؤسساتي. الهيئة المقترحة يمكن أن تشتغل كمرصد سنوي يضبط برمجة المهرجانات على المستوى الوطني، ويضمن توزيعها العادل زمنيًا وجهويًا، مع احترام السياقات المحلية والخصوصيات التنظيمية لكل مهرجان.

من جهة أخرى، فإن الجهة الوصية على القطاع ـ المركز السينمائي المغربي ـ مطالبة بلعب دور حاسم في توجيه السياسات المهرجانية، سواء من خلال دفتر تحملات واضح للمهرجانات المدعومة، أو عبر تنظيم لقاء سنوي يجمع ممثلي مختلف التظاهرات لمناقشة الرزنامة السنوية.

Ad image

فوضى البرمجة لا تنعكس فقط على الحضور الإعلامي أو الجماهيري، بل تضرب في العمق إمكانيات التعاون بين المهرجانات ذاتها، وتضيع فرصًا كثيرة للتنسيق وتبادل التجارب والضيوف والموارد. كما أنها تضعف التراكم المهني للمنظمين الشباب، وتشتت الانتباه المؤسساتي والتمويلي في لحظة واحدة.

اليوم، وبينما يناضل كثير من المهتمين من أجل ترسيخ ثقافة سينمائية مستدامة، تظل الفوضى المهرجانية تحديًا صامتًا يُقوّض البنية التحتية للعرض السينمائي. فهل آن الأوان لطرح هذا السؤال بجدية؟ وهل يمكن أن نطمح إلى “خريطة سينمائية وطنية” توفّق بين الحماسة المحلية والحكمة المركزية؟ الجواب رهن بإرادة صناع القرار أولًا، وانخراط الفاعلين الميدانيين ثانيًا.

Leave a comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *