مهرجان شنغهاي السينمائي الدولي ليس مجرد فعالية ثقافية عابرة، بل هو احتفال سنوي ضخم ينبض بالحياة في واحدة من أكثر مدن العالم كثافة وتنوعًا. وبعيدًا عن المقارنات السطحية مع مهرجانات مرموقة مثل “كان” أو “برلين”، فإن ما يميز مهرجان شنغهاي حقًا هو الطريقة التي يتحول بها إلى حدث جماهيري واسع، يضخ طاقة سينمائية في شرايين المدينة بأكملها.
منذ انطلاق دورته السابعة والعشرين، التي امتدت من 13 إلى 22 يونيو، بدا واضحًا أن المهرجان لم يعد يقتصر على فئة النخبة أو صناع السينما فقط، بل صار احتفالًا شعبيًا بالمشاهدة والسينما، يمتد من قاعات العروض الفخمة وسط المدينة إلى شاشات في المولات والأحياء البعيدة، ليصل إلى جمهور من مختلف الخلفيات والأعمار. أكثر من ألف فيلم من أنحاء العالم تُعرض مرتين على الأقل، بعضها لثلاث وأربع مرات، فقط لأن الناس تطالب بالمزيد.
اللافت أن أسعار التذاكر في المهرجان أعلى من أسعار السينما العادية — حوالي عشرة دولارات للتذكرة — ورغم ذلك تُباع جميعها في غضون دقائق. لا تفرقة هنا بين فيلم آسيوي مستقل، أو دراما أوروبية ثقيلة، أو تجربة أفريقية جديدة؛ الجمهور الصيني، خصوصًا جيل الشباب، يندفع بشغف لمشاهدة كل شيء. هذا التعطش لا ينبع فقط من حب السينما، بل من رغبة حقيقية في فهم العالم، في وقت تتزايد فيه عولمة الأذواق وانفتاح الصين ثقافيًا على الخارج.
المهرجان يعكس أيضًا دينامية اجتماعية أوسع. فبينما تتحرك أعداد متزايدة من الصينيين للسفر والسياحة خارج البلاد، هناك من يختار أن يخوض رحلته إلى العالم عبر شاشة السينما. “شنغهاي السينمائي” في هذا السياق لا يؤدي وظيفة ترفيهية فحسب، بل يتحول إلى مساحة للتأمل والمعرفة، وإلى منصة يتلاقى فيها المحلي مع العالمي، والتجاري مع التجريبي، والتقني مع الإنساني.
إنه مهرجان لا يراهن فقط على الأفلام، بل على المدينة، على الناس، وعلى فكرة أن السينما يمكن أن تملأ حياة 30 مليون إنسان لعدة أيام، وتغيّر نظرتهم للعالم.

