في لحظة فارقة تعيش فيها المنطقة العربية أزمات متشابكة من النزوح والانهيار والاضطراب، يأتي الفيلم اللبناني “مشقلب” كصرخة فنية تحمل ملامح المقاومة والمعنى، بدلاً من الاستسلام والفراغ. العمل الذي تتولى فيه المخرجة اللبنانية المرشحة للأوسكار نادين لبكي دور المنتجة التنفيذية، يبدأ عرضه ابتداءً من 10 يوليو الجاري، مع خطة لتوسيعه خلال موسم الصيف ليشمل دول الشام والخليج وبعض الدول الأوروبية.
ورغم أن الفيلم كان من المقرر أن يُعرض محليًا بشكل محدود، إلا أن جولته في المهرجانات الدولية قلبت موازين التوقعات، ودفعت به إلى واجهة الاهتمام العربي والدولي، حيث يُنظر إليه اليوم كفعل مقاومة سينمائية يعيد رسم سردية المنطقة من خلال نظرة إنسانية عميقة للصدمة الجماعية وروح الصمود.
ينطلق “مشقلب” من لبنان ما بعد انتفاضة 2019، ويغوص في تداعيات انفجار 2020، متتبعًا أربع قصص تحمل الطابع الساخر والمرير في آن واحد. يعكس الفيلم عبثية الحياة اليومية وسط الفوضى والانهيارات المتتالية، في مجتمع بات فيه الصمود عادة يومية، والضحك شكلاً من أشكال البقاء.
ما يميز “مشقلب” ليس فقط محتواه، بل فريقه الإبداعي أيضًا. الفيلم من إخراج أربعة من أبرز صُنّاع السينما اللبنانية المستقلة: لوسيان بورجيلي، وسام شرف، بان فقيه، وأريج محمود، فيما يقوده إنتاجيًا بشارة مزنر إلى جانب نادين لبكي وخالد مزنر كمنتجين تنفيذيين، وبمشاركة عبلة خوري ولارا كرم شيكيرجيان كمنتجين مشاركين.
ويزخر العمل بمواهب تمثيلية لافتة مثل منال عيسى، رودريغ سليمان، فرح شاعر، وحنان الحاج علي، في توليفة فنية توظف الأداء الواقعي والتعبير الصادق لملامسة جراح الناس وآمالهم.
نال “مشقلب” إشادة واسعة بعد عرضه العالمي الأول في مهرجان الجونة السينمائي بمصر، حيث فاز بجائزة “سينما من أجل الإنسانية” (جائزة الجمهور)، تلاه عرض كامل العدد في معهد العالم العربي بباريس، ثم مشاركته في مهرجان الفيلم العربي في زيورخ، ومهرجان واشنطن السينمائي الدولي، وغيرهما من المنصات الفنية التي تؤمن بأن السينما ليست فقط وسيلة للترفيه، بل أداة للتوثيق والتغيير.
“مشقلب” ليس مجرد فيلم، بل رسالة تروي كيف يمكن للفن أن يُعيد صياغة الذاكرة، ويقاوم النسيان، ويروي الحكاية من الداخل، من قلب الجرح، وبصوت أصحاب الأرض.
