تعتبر تجربة نبيل لحلو السينمائية إعلانًا جريئًا عن إمكانية الخروج من نسق السينما الرسمية المغربية، متبنيًا منهجية تقوم على نوع من الغرابة والتجريب السردي والبصري، تشبه كثيرًا طريقة المسرح الفرنسي السياسي. منذ فيلمه الأول الطويل “القنفودي” (1978)، تبنّى لحلو كتابة السيناريو، الإخراج، وتركيب الأداء، ليجسّد رؤيته الفنية الخاصة، التي تتماهى مع افكاره وثقافته المسرحية .
ويلحظ في “القنفودي” نمطًا من التجزئة البصرية والسردية، والثرثرة المسرحية المباشرة، التي ترتكز على لغة السخرية الساخرة للواقع المغربي. الخطوة التالية جاءت مع فيلمي “الحاكم العام لجزيرة الشاكر باكر بن” (1980) و”نهيق الروح” (1984)، حيث يتبدى الميل إلى المزج بين السريالية والفانتازيا لتفكيك السلطة والأيديولوجيا، ومن خلال مشاهد رمزية، كالحوار بين بطل يمتطي حصاناً خيالياً، مما يعكس نقدًا صريحًا لسلطة الدولة والتواطؤ السياسي في فترة ما بعد الاستعمار .
في “إبراهيم ياش” (1982)، يعود لحلو إلى السينما الناطقة بالعربية الفصحى، مجددًا لغة الحوار لتفكيك الأشكال الرسمية المألوفة، يرسم صراع الموظف البسيط مع مؤسسة بيروقراطية مضجرة، بأسلوب مسرحي غريب، مما يعكس عمقه التقني وقدرته على ترميز الوضع الوطني عبر مساحات درامية وتشويقية .
لم يتخلَّ لحلو عن مغامرته السردية حتى مع “كوماني” (1989)، استمرّ في المزج بين المسرحة والسينما، محاولًا تحليل مفاهيم السلطة والإبداع، بينما كانت “ثابت أو غير ثابت” (2006) تجربة محكمة من حيث الصورة والغضب الفني، حين تناول قضية فضيحة ضابط المخابرات مصطفى ثابت، مسقطًا مسرحية نقدية حادة على السلطة الأمنية والإعلامية في المغرب .
يبقى نبيل لحلو، بصفته المخرج والمؤلف والممثل، مثالًا للذات الفنية الصلبة، فهو لا يكف عن التصريح بأن هذه أعماله هي مجرد “مسودات”، أقرب لإعلان عن إمكانيات المعاناة أمام قلة الدعم والمناخ الفني المكبوت . وقد أصرّ على أن تشقّ السينما الجريئة طريقها عبر تغيير التلفزيون أولاً، لأنه الباب المؤثر في تشكيل الذوق والجمهور المغربي .
تُظهر هذه المراجعة أن تجربة لحلو السينمائية، رغم تواضعها الإنتاجي، هي من بين الأكثر صلابة وتمردًا في تاريخ السينما المغربية. آثاره ترفض الأشكال الرتيبة وتراهن على فن مغامر، مسرحي وفانتازي، يتجاوز الرتابة الإعلامية الرسمية، ويشكّل تحديًا ضروريًا لمن يسعى لبناء سينما مغربية ذات ثقل بصري وفكري.

